Saturday, October 15, 2011

عريس لقطة



كُتب هذا النص بتاريخ 3-7-2009


عريس لقطة

قبل فترة بسيطة من الزمن،لنقل أسبوعين،كلمني صديق عزيز جدا على قلبي عبر الانترنت قبيل انتصاف الليل قائلا انه يريد أن ينصحني نصيحة مهمة جدا،قلت له:"كلي آذان صاغية"،فقال:

"يا عبد عمرك ما تفكر تحب أبدا إلا و أنت جاهز و وضعك المادي ممتاز جدا و بتقدر تطلب أي إنسانة بتتمناها"

و رغم سماعي لهذه "النصيحة" منذ فترة طويلة من كثير ممن أعرفهم، إلا أنني فكرت كثيرا بهذه الجمل خلال الأسبوعين الماضيين،ولا ادري لماذا؟؟شي ما في داخلي يدفعني لتفنيد هذه النصيحة،إحساس عميق يدفعني للكتابة، ولا تسيئوا فهمي،أنا لا أريد أن أفند رأي صديقي الذي اعرفه جيدا و اعرف انه قال هذه العبارات في لحظة يأس نادرة انتهت كما طوت الشمس ظلام تلك الليلة التي تمت فيها تلك المحادثة،أنا لا أريد أن أفند رأيه بقدر ما أريد أن أفند رأي المجتمع الشرقي بأكمله،ذلك المجتمع الذي يبحث عن العريس "اللقطة"الذي تمتلئ جيوبه بالأوراق الخضراء،و يملك المنصب و السيارة و البيت،ولا بأس بمزرعة أو وديعة بنكية ضخمة، و حبذا أن يكون ابن عائلة عريقة او ذات مستوى اجتماعي عالٍ الى آخره من الشروط المطلوبة هذه الأيام حتى تستطيع ان تكون عريس "لقطة"،أجد نفسي تتوق الى كتابة هذه السطور التي أريد من خلالها ان ابرز رؤيتي في هذا الموضوع الذي يمسني و يمس جيلاُ من الشباب لما يتزوج بعد لمجرد انه ليس عريس لقطة.
لنسأل أنفسنا"ما هو الحب"،الكل منا لديه تعريف خاص به يعكس من خلاله تجربته في الحياة حيال الجنس الآخر،لا أريد ان أخوض في تعريفي الخاص و لكني أريد أن اقتبس منه كلمتين فقط، الأولى هي "التضحية"،الحب حالة إنسانية تجمع شخصين يجب أن يضحي كلاهما في سبيل الآخر دون انتظار مقابل او بدل او مردود،عندما نضحي بكل ما نملك في سبيل إنسان فإننا نحبه، لا يكفي أن نقول لشخص كلمة "احبك" لان الحب برأيي أفعال و ليس أقوالا.

و الكلمة الأخرى هي "الاحترام"،الحب يجمع شخصين يحترم كلاهما الآخر،لا يتعالى فيه طرف على الآخر،ليس هناك من يكون سيدا و يكتفي الآخر بدور العبد،ليس فيه احتقار أو تصغير لأحد،بل احترام و تقدير متبادل يعكس حالة من الوحدة التي تجمع روحين اختارتا إكمال الطريق سويا حتى يفرق الموت بينهما.
لكن الواقع ان هناك شريحة كبيرة من المجتمع الشرقي لا تفكر إطلاقا في معنى الحب،و لكنها تجتهد في البحث عن عريس اللقطة،اجتهاد يصل أحيانا الى حالات من الإذلال و العرض الرخيص كما يعرض العبيد في سوق النخاسة،و يجد الشاري ضالته و الشكر يعود الى مهارة السمسار و يتقدم العريس للخطبة و يتم الاتفاق و يكتب الكتاب و تقوم الأفراح و كل شيء يبدو على ما يرام،و لكن لنفكر قليلا سادتي،هل هكذا زواج سيكون زواجا سعيدا؟؟ و الحقيقة انه يمكن ان يكون زواجا ناجحا للغاية ولا يرجع الفضل في ذلك الى المال بقدر ما يرجع الى طبيعة الرجل و المرأة الذين جمع بينها رباط الزواج و الأهم من هذا و ذاك هو توفيق رب العالمين سبحانه و تعالى،و لكن هناك من يواجه مشكلات كامنة في هكذا زواج،بمعنى أنها تحتاج فترة حتى تبرز الى السطح و من مثل هذه المشاكل ان يظن الرجل ان شريكة حياته قد اختارته لأجل محفظته المتخمة و ادعت حبه حتى تفوز بماله ،و لا تنكروا يا سادتي ان مثل هكذا زيجات قد حصلت كثيرا، و تبرز هذه المشكلة حينما يحس الرجل ان زوجته قد تغيرت بعد الزواج و حينما لا يجد منها ذلك الحب و الحنان و التفاني الذي كان قبــــــل الزواج فتبرز هذه الأفكار الى رأسه و قد تؤدي مثل هذه الأفكار الى كارثة مدمرة تحيق بالزواج و قد تقضي عليه نهائيا.

هذه المشكلة حصلت نتيجة فقدان الحب لأحد ركائزه الأساسية إلا و هي التضحية،حيث يحس الرجل انه المضحي و أنه وقع ضحية استغلال من قبل زوجته و أهلها، قد يكون هذا صحيحا و قد لا يكون لكن الشيطان ماهر و يقنع الرجل بهذه الأفكار السوداوية،التضحية ركيزة مهمة في العلاقة بين الرجل و المرأة و يجب أن تكون متبادلة و تنم على ان الحب يكون للشخص و ليس للمادة و هنا تكون عظمة الحب.

هناك مشكلة خطيرة أخرى أريد أن أسلط عليها الضوء قد تعصف بزيجات من هذا النوع و هي أن يعامل الرجل امرأته بدونية و أن يمن عليها و أن يعدد أفضاله عليها و يهينها و يهين أهلها بمناسبة و بدون مناسبة،كيف لا و هو عريس اللقطة الغني الذي بإمكانه أن يتزوج من يشاء و يعمل ما يشاء؟ 

مثل هذه المشكلات تهوي بنفسية المرأة إلى الحضيض و قد تسبب لها مشاكل نفسية و صراعات داخلية مكبوتة قد تؤدي إلى إصابة الزوجة بأمراض خطيرة مزمنة كالضغط و السكري او الجلطة مثلا،أو قد تؤدي إلى قيام المرأة بعمل طائش كمحاولة انتقام من الزوج نتيجة إصابتها بنوع من الاضطرابات العصبية التي لا افقه عنها شيئا و كثيرا ما قرانا صفحة الحوادث وصدمتنا حالات انتقام تقوم بها الزوجة تصل أحيانا إلى القتل العمد،و لكن هل سألنا أنفسنا مرة،لماذا حصل هذا؟؟؟؟؟؟

علمتني الحياة انه لا شي يوجد من العدم،لكل حدث سبب،هذا شي أكيد،و لكن ما هو سبب مثل هذه الجرائم؟قد يكون ذلك لأنه زواج لم يقم على الاحترام المتبادل،هناك سيد و هناك عبد و الدور أبدي و ثابت لا يريم،برغم أن الزواج الناجح يتطلب مرونة في التعامل و تبادلا في الأدوار،نصح رجل ابنه المقبل على الزواج قائلا:"يا بني كن لها عبدا تكن لك امة"،،،،،،،،أمة أي عبدة.

أنا لا أدعو إلى نبذ كل إنسان يكون مقتدرا او غنيا و يأتي طالبا الزواج و لكني ادعو الى التريث و السؤال و الاهتمام بعلمه و أدبه،فليس كل من يملك المال بعالم و ليس أيضا بإنسان خلوق مؤدب،و الاهتمام بشكل خاص بدينه و صلاحه فلا يوجد إنسان يتميز عن إنسان إلا بالتقوى كما ورد في الحديث الشريف،كما اني لا ادعو الى قبول كل إنسان فقير معدم لا يملك أي مقوم يؤهله بالقيام بواجبات الزواج و لكني أدعو إلى التركيز على دين الإنسان و صلاحه،على علمه و شهادته او عمله و حرفته،الى اختيار الإنسان الطموح لتحسين حالته و وضعه،الى اختيار الإنسان المثابر المجتهد و إتباع الحدس بأن هذا الإنسان قد يغدو رجلا ناجحا و لن يغيب آمال من رأوا في داخله تلك القدرة على التغيير و الإبداع.

قيل قديما "الزواج قسمة و نصيب"و هذا قول صحيح تماما،و حتى أن كثيرا من الزيجات التي قامت على الحب المتبادل قد انتهت نهايات مأساوية و مهما تكن الأسباب التي أدت إلى ذلك يجب أن تتذكر دائما أن إرادة الله تعالى هي العليا و أن الإنسان لا يأخذ إلا ما كُتب و قُدر عليه في هذه الدنيا.

قد تظنون يا سادتي أنني رجل ساخط على المجتمع الشرقي في العقد الثالث من العمر لم يتزوج بعد ولكني لا أزال طالبا في الجامعة يدرس الهندسة الكهربائية و عمري 21 عاما فقط و سوف أتخرج العام القادم بإذن الله تعالى،و لكني كجزء من هذا المجتمع أحس أنه يحوي كثيرا من المشاكل التي من واجبي على الأقل أن الفت إليها النظر و أصارح مجتمعي بها حتى يغدو مجتمعا أفضل،أقوى و أكثر تماسكا.

بينما اكتب هذه السطور يقوم احد أقربائي بخطبة إحدى قريباتي و يبدو أن كل شي على ما يرام و انتهز الفرصة لأقول لهما مبارك لكما و بالرفاه و البنين،لكن الطريف في الأمر أن أخ العريس الكبير قد طلب أخت العروس الكبرى قبل 4 سنين عندما كانت أحوال عائلة العريس عادية ،وقد قوبل هذا الطلب برفض قاطع وقتها،لكن 4 سنوات فترة كانت كافية لكي يقوم هذا الأخ الكبير بمساعدة إخوته من تغيير أحوالهم حتى رزقهم الله بما صبروا و أعطاهم،و بعد 4 سنين يقابل طلبهم بموافقة أكيدة لا تحتاج إلى شي من التردد و التفكير،و أسائل نفسي،لماذا لم تحصل هذه الموافقة قبل 4 سنوات؟لماذا لم يعطى ذلك الإنسان فرصته و تم تقييمه و رفضه لمجرد انه لم يكن وقتها "عريس لقطة"؟لماذا لم يتم الإيمان في قدراته و طموحه في التغيير؟؟أسئلة كثيرة اطرحها على نفسي في هذه اللحظات.

قبل أن أرسل هذه المادة للنشر،قرأها أحد أصدقائي و قال أن العاطفة فيها تطغى على الفكرة و أن هذا من شأنه أن يضعف النص الذي يمكن اعتباره معالجة اجتماعية،و أحسست أنني ربما بالغت في الوصف،و لكني بعد قليل من التفكير وجدت أن نزع العاطفة من هذا النص كنزع الروح من جسد حي،فكلاهما يصبح بلا فائدة،فكثير من الأشياء في حياتنا ننظر إليها من خلال عواطفنا و قلوبنا،ولو رأيناها من زاوية أخرى لاختلفت قراراتنا و طبيعة حياتنا،فأغلب قراراتنا الشجاعة ما كانت لتصدر لولا عواطف جياشة تسكن صدورنا،و صدقوني، تلك القرارات الشجاعة هي من أعطت للعالم صورته و شكلت التاريخ و حررت الأمم،معادلات الحياة لا تحل فقط بالمنطق و الأرقام الذين يتطلبان توافر كل العناصر و المقومات حتى نجد الحل و لكنها تحل أيضا بالإيمان و الثقة الذين يعوضان غياب ما فقد من عناصر، و كلاهما ناتج في اغلب الأحيان عن الحب.و بالنسبة لموضوع هذا النص،فإن الفكرة لم تكن لتوجد لولا عاطفة جياشة سكنت صدر كاتبها وحثه على كتابة هذه المادة التي لا اعتبرها معالجة اجتماعية بقدر ما أجدها حديثا نابعا من القلب.



تبقى نقطة أخيرة يجب ان أوضحها،شخصيا كشاب في الواحد و العشرين من العمر،لدي أمنيات كثيرة أرجو أن تتحقق و لكني أؤمن بالله تعالى و بالقسمة و النصيب،وأشدد على التالي:

ارفض أن تتم رؤيتي من خلال حجم محفظتي فأنا شخص أفضل من ذلك ،ارفض أن أكون شخصا يحظى بامتياز اختيار المرأة التي يريد كما نختار ملابسنا الجديدة التي نمتلك أثمانها في جيوبنا،ارفض أن تحس زوجتي في يوم من الأيام بأنني أفضل منها و أنني قدمت لها فرصة عمرها عندما طلبت يدها للزواج،أطالب بإعطائي فرصة أثبت فيها طموحي و قدرتي على التغيير للأفضل،و باختصار شديد أنا ارفض أن أكون "عريس لقطة" بشكل قاطع و لكني أقول في الوقت الذي يظن فيه بعض الناس أن الحب خلق للغني و القوي و المحظوظ،أقول لهؤلاء إنهم للأسف لا يعرفون شيئا عن الحب و أرد عليهم كما قال فورست جامب "Forrest Gump" في الفيلم الذي حمل اسمه
I Know What Love Is”                               


No comments:

Post a Comment