Monday, March 9, 2015

أسطر قليلة حول : فيدودور دستويفسكي

تذكرت دستويفسكي اليوم عند الظهيرة. كنت اتمشى وحيدا تحت الشمس و أفكر في الحلقة الاخيرة من مسلسل أمريكي شهير كنت قد شاهدته البارحة. أكثر ما أثر فيي خلال مشاهدتي هو قيام أحد الشخصيات بقتل فتاة مسكينة للتستر على أفعال مشينة تخص رئيس الولايات المتحدة الامريكية. كانت هذه الفتاة تعرف تماما أنها ذاهبة في رحلة بلا عودة و مع ذلك فقد حاولت اقناع قاتلها بأنها مسكينة و ليس لها ذنب ولا حيلة و مع أن القاتل قد تأثر بما قالته إلا أنه قد قام بتنفيذ مهمته.

لماذا تذكرت دستويفسكي؟؟ لأنه لو اتيحت له فرصة كتابة المشهد السابق لاستطاع أن يُظهر النبل في شخصية القاتل الذي كان سيعفو عن الفتاة دون أن يقوم بقتلها. كيف لا و هو من استطاع في روايتيه العظيمتين "الجريمة و العقاب و الاخوة كارامازوف" أن يظهر النبل حتى في شخصيات الشر ليؤكد في النهاية أن الانسان لا يخلو من النبل و الانسانية مهما أظهر عكس ذلك و أن كل خصالنا الشريرة إنما هي خصال مكتسبة من بيئتنا و تربيتنا و ظروفنا التي قد تغيب الانسان في داخلنا و لكن ذلك لا يعني أنه قد مات. اليوم فقط احسست أن ما يجمعني بهذا الكاتب العظيم هو الايمان الاعمى بالانسانية

Wednesday, January 21, 2015

أسطر قليلة عن : مدن فلسطين

خلال قراءتي لرواية الضوء الازرق‬ للكاتب الفلسطيني الراحل حسين البرغوثي‬ التي تحوي الكثير من الرموز و الدلالات استوقفتني هذه الفقرة التي لطالما عبرت عن شعوري تجاه مدن فلسطين‬...فمدن فلسطين ليست مدنا بالمعنى الحقيقي لكلمة مدينة و اذا استثنينا رام الله‬ فلا تجوز مقارنة مدن فلسطين بمدن من عالمنا العربي مثل عمّان أو القاهرة أو دبي فكيف بالمقارنة مع مدن العالم الواسع....مدن فلسطين هي تجمعات سكانية منغلقة على نفسها الى حد كبير نمت مع مرور السنين و تعاقب الاجيال مما استوجب توفير الخدمات الموجودة في المدن من قبل المشافي و الجامعات و لكنها تفتقد الى "الاختلاط" الذي يعتبر سمة من سمات المدن الاساسية و الموجودة في كل مدن العالم فالمدينة بيئة منفتحة جاذبة للسكان من القرى للاستقرار و الانصهار فيها حيث لا اعتبارات كبيرة لاسماء العائلات و للعلاقات الشخصية كما نرى في القرى و معظم مدن فلسطين حيث يعرف أغلب السكان الأصليين بعضهم بعضا....في المدينة تكون الغربة و هذا ما لا نراه الا في رام الله التي أضحت الاقرب الى استحقاق صفة "المدينة الاولى" في فلسطين في رأيي الشخصي
هذا الوضع الغريب في "مدن" فلسطين سببه الاساسي هو الاحتلال الذي صعّب عملية الاندماج بين المدن و القرى الفلسطينية و سعى بسياسة ممنهجة إلى سجن الفلسطينيين في كانتونات قراهم و بلداتهم فكأنما يعيش الناس جميعا في مجموعة من السجون الصغيرة بلا قضبان و هنا تتضح المأساة...

Tuesday, January 6, 2015

أسطر قليلة عن :ذكريات الطفولة

لا يستطيع الانسان التملص من فخ الذاكرة، من أنيابها التي تمتد عميقا في عقله و وجدانه خصوصا عندما نتكلم عن ذكرياتنا الاولى في هذه الحياة...تلك الذكريات التي يشوبها الغموض الذي يجعلنا نتسائل كثيرا إن انت حقيقية أم أنها من صنع الخيال. تبقى هذه الذكريات حاضرة في وجداننا رغم عدم اكتمالها، ربما رغبة منا في محاولة فك رموزها و معرفة أحداثها، أو قد يكون السبب هو حنيننا إلى ماضٍ نعرف تماما استحالة عودته بكافة تفاصيله و بكافة المشاعر الاصيلة التي أحسسنا بها في طفولتنا. الطفولة هي أهم ما يصنع حياتنا...أهم ما يحدد مصيرنا فيها لأن ما يتبقى منها هو مجموعة من المشاعر التي يُصعب تفسيرها نتيجة لصغر السن و عدم وضوح الذكريات و مع ذلك..تبقى هذه المشاعر معنا طوال العمر.

كثيرا ما تراودني هذه الذكرى التي لم أحدث بها أحدا من قبل، عن ذهابي مع الاهل إلى "البر" عندما كنا نعيش في الامارات، و البر لمن لا يعرفه هو كالبرية عندنا في فلسطين و لكن الفرق بكل بساطة أن البر ليس بجمال برية فلسطين...القليل جدا من الاشجار و الكثير من المساحات المستوية المليئة بالصخور و بعض الحشائش و التي لا يمكن زيارتها في أجواء الخليج الحارة، و إنما يزورها الناس في الشتاء عند اعتدال الجو للشواء و الحصول على بعض "الخبيزة" التي تنمو بعد سقوط الامطار. أتذكر هذه الزيارة بشكل شبه يومي رغم أنني لا أذكر أي موقف معين أو أي حوار مميز...أذكر فقط منظر الحشائش بين الرمال و أجده جميلا...ربما لأنها جميلة و ريانة في وسط هذا الجفاف و القحط...أتذكر والدتي و هي تبحث عن الخبيزة التي لا أحبها على الاطلاق و لكني الآن و بأمانة أجد نفسي في حنين دائم إلى ذكرى مبهمة و لا يوجد فيها ما يميزها..أجد نفسي راغبا في زيارة هذه المكان و التجول فيه في يوم مشمس متعدل الحرارة. أجده و للمفارقة جميلا رغم حبي للخضرة و كرهي للصحراء و لكنني كلما أردت أن أتخيل منظرا رائعا أو تجربة جميلة تجد هذه الذكرى طريقها الى مخيلتي.  قد تكون هذه الذكرى و غيرها من ذكرياتي الاولى في هذه الحياة مؤلمة نتيجة لاقتلاعي من المكان الذي تربيت فيه و ذهابي إلى مكان آخر للعيش دون فرصة للعودة مرة اخرى إلى الاماكن التي أبصرت فيها أول ما عرفت من الحياة...أتذكر كثيرا البيت الذي تربيت فيه في صغري عندما عشت في الامارات "انتقلنا فيما بعد الى بيت اخر و لكني أحن بالذات إلى بيتنا الاول الذي شهد طفولتي و بداية وعيي"..أتذكر الكثير و الكثير حول طفولتي و لا أجد سبيلا إلى تهدئة جروح الذاكرة و هجماتها على روحي المثقلة اصلا بهموم الحياة. قد تكون الجملة القادمة أهم ما في هذه التدوينة الشخصية : "لا تقتلعوا أولادكم من الجذور قبل الاوان ولا تربوا أولادكم في بيئة مؤقتة"...احرصوا على أن يعيشوا طفولتهم بسلام حتى يبلغوا من العمر ما يقويهم على السفر و تجربة الحياة و احرصوا أكثر على تربيتهم في وطنٍ يكون لهم نقطة انطلاق الى هذه الحياة و الاهم أنه سيكون لهم نقطة النهاية التي تحوي ذكريات الطفولة و الصبا ولا تربوهم في الغربة التي ليست بوطن و إنما هي مجرد محطة مؤقتة و بالرحيل عنها سيفقد أولادكم جزءا كبيرا من ذكرياتهم الاولى عن هذه الحياة.