Thursday, July 19, 2012

قيمة الارشاد و الالهام

البارحة و اثناء تمتعي بنقاهة أثر عملية جراحية خضعت لها قبل عدة ايام، لم اجد ما يملأ فراغي الا متابعة اليوتيوب و الفيس بوك و القراءة، اثناء متابعتي للفيس بوك البارحة رأيت هذه الصورة التي وجدت لها في نفسي مكانا لصحة النصيحة التي وردت أسفلها:

الصورة مأخوذة من رائعة السينما العالمية "روكي"، قصة الملاكم الطموح الذي أمن بنفسه و قدراته و بذل الكثير في سبيل تطوير مهاراته حتى استطاع تحدي بطل العالم في الملاكمة و الصمود في وجهه ثم الانتصار عليه في الجزء الثاني من الفيلم الذي اصبح ايقونة  و مثالا يحتذي به عامة الناس و الرياضيون عامة و الملاكمون خاصة، كيف لا و هي قصة شخص صعد الى القمة من العدم.

في الصورة يظهر روكي بالبوا "سلسفتر ستالون" برفقة مدربه مايك و اسفل الصورة كُتبت العبارة التالية
"كل بطل يحتاج الى معلم او مرشد عظيم.....من هو مرشدك؟؟"

عبارة عظيمة وجدت لها صدى في نفسي و لكني لم اشعر بقيمتها الا هذا اليوم صباحا؟،يوم اعلان نتائج الثانوية العامة، يوم يُكرم فيه المرء او يُهان،قرأت اسماء الطالبات و الطلاب الذي حازوا على المراتب الاولى، و فرحت ايضا بنجاح اختي و حصولها على درجة جيدة "87.2 علمي" و الحمد لله الذي هو دائمٌ....أبدا و ليس لما سواه دوام.

اثناء تصحفي لنتائج الثانوية، كانت والدتي تشاهد نتائج العشرة الاوائل و تسألني " يا عبد...كيف هذول بجيبو هاي الدرجات؟؟" وهنا فقط تذكرت هذه الصورة و هذه العبارة و ما تحمله من معنى مهم يعطينا سببا من اسباب النجاح في الحياة.

لم يكن روكي بالبوا لينجح في مقارعة " أبولو كريد" بطل العالم في الملاكمة ثم الانتصار عليه لولا دعم "مايك" -مدربه و مرشده- و ايمانه بقدرات تلميذه و قدرته على التقديم و العطاء و شعوره بتميز هذا التلميذ، هذا الشعور الذي دفع مايك الى بذل كل طاقته في سبيل تنشئة روكي ليصبح بطلا قادرا على التربع على عرش الملاكمة العالمية من لا شيء.

و لو فكرنا سويا لوجدنا ان التفوق المدرسي و خصوصا في الثانوية العامة هو نتاج لكثير من العوامل لكني اكاد اجزم ان اهمها هو الدعم الذي يلقاه هؤلاء الطلاب من اهاليهم و مدرسيهم، هذا الدعم اللا متناهي ماديا و معنويا، توفير افضل الظروف الدراسية و تهيئة الجو العائلي الملائم، المدرسة الممتازة و الدروس الخصوصية و لست اقصد هنا الدروس الخصوصية التقليدية و انما اقصد الدروس الخصوصية التي تُعتبر نصائح للطالب تُخبره "من أين تُؤتى الكتف"، تلك النصائح التي يقدمها ذوو الخبرة من المدرسين للطالب حول طبيعة الامتحانات و افضل الاستراتيجيات و الطرق للتحصيل و الدراسة، الى اخره من تلك النصائح الذهبية التي كثيرا ما تساعد الطالب اثناء تقديمه للامتحانات النهائية و تقلل من فرص تعرضه لمفاجأت اثناء الامتحان، و كلنا يعرف ما تأثير صدمة الطالب اثناء الامتحان نتيجة لتعرضه لمفاجأة قد تقضي على تركيزه و تضيع عليه الوقت الثمين الذي يحتاجه من اجل الاجابة على جميع الاسئلة في الامتحان.

وجود هؤلاء المرشدين للطالب اضافة الى الدعم المعنوي من الاهل و الاهم من هذا و ذاك : اشعار الطالب انه قادر -باذن الله- على الحصول على افضل الدرجات و تغذية الحلم في دواخله، كل هذا يمكن الطالب من اخراج طاقاته الكامنة و العمل بكل ما اوتي من قوة للنجاح و تحقيق النتائج المتفوقة على مستوى الوطن بأسره.

انا هنا لا انكر قدرات الطلاب الحاصلين على هذه الدرجات العالية و هذا حقٌ لهم علي، فلو وفرنا اجود اساليب الزراعة و انقى المياه و افضل العاملين و الزارعين في الصحراء الجدباء لما أثمر ذلك كله شيئا، انتم ايها الطلاب الرائعون تلك الارض السوداء الخصبة الغنية، تلك الارض التي توفرت لخدمتها كل الظروف المواتية فجاء الثمر رائعا،بهيجا، يسر الناظرين.

و لكن يا سادتي، لنتذكر طلابا اخرين، اراضٍ سوداء خصبة لم تكن محظوظة كما كنتم انتم محظوظين، تلك الاراضي التي أُهملت، التي تركت لمصيرها، تلك العقول التي اجتهدت حسب ما توفر لها من الظروف، اولئك الطلاب الذين يعانون من اهمال الاهل او قلة الموارد الى ما هنالك من ظروف تؤثر على انتاجية الطالب و قدرته على التحصيل و الاجتهاد، هؤلاء الطلاب لا تقل فدراتهم العقلية عن قدرات اقرانهم من اصحاب المراتب الاولى و لكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي سفنهم، منهم من مرض، منهم من عانى الفقر و الاهمال، و منهم من تيتم او تعرض لحادث أليم اثناء التحضير لامتحانات الثانوية العامة و منهم و منهم.....

أهمية فكرة المرشد او المعلم او الملهم تأتي من أن الانسان يسعى بطبيعته و فطرته لتكملة طريق بداه انسان اخر، فالبشر مستخلفون في الارض، يعيشون عليها فترة من الزمن يسعون فيها في جميع جوانبها ليأتي من يكمل المسيرة، عندما سُئل السير اسحق نيوتن عن سر اكتشافاته العلمية كان جوابه أنه "يقف على اكتاف العمالقة" قاصدا بذلك من سبقه من العلماء الذين سعوا منذ فجر البشرية لتفسير الغاز الحياة فجاءت جهوده تتمة لمشوار بدأ منذ زمن سحيق و كذلك الامر في حالتنا و في اي حالة يبغي فيها احد النجاح في الحياة، فعندما يكون له مرشد او ملهم يقتفي خطاه فان ذلك يوفر عليه الوقت الكثير الذي يضيعه محاولا ايجاد الطريق الصحيح في الحياة، و كلنا نعرف ان الوقت هو اغلى ما نملك و اغلى ما نفقد، "دقات قلب المرء قائلة له.....ان الحياة دقائق و ثواني"...صدقت يا امير الشعراء.

فلنحاول ان نكون مرشدين لغيرنا في الامور التي نجد ان لدينا القدرة على النصح و الارشاد فيها و لنحاول ايضا ان يكون لنا مرشدون يساعدوننا على تطوير حياتنا و الوصول الى الدرجات العليا و تحقيق الاحلام و الاماني، و الاهم من ذلك انو نكون ملهمين لاولادنا، لابناءنا،لاخواننا و اخواتنا، لنحاول ان نوفر لهم ما استطعنا ظروف النجاح، لنحاول ان نؤمن فيهم....و ان نجعلهم يحسون بهذا الايمان...ان نجعلهم واثقين في قدراتهم...حدودهم السحاب....لاننا هكذا سنكون قد سلحناهم بالسلاح الاقوى على مدى الايام..ألا و هو : الارادة.

اوجه حديثي الى الطلاب المتفوقين قائلا لهم...تابعوا الجهود الطيبة...فالحياة الجامعية ليست كحياة المدرسة و كثير من المتفوقين في المدرسة لم يستطيعوا ان يتكيفوا مع الظروف الجامعية التي يكون فيها الفرد معتمدا بالكامل على نفسه... و الشي المهم هو ان يختاروا طريقهم في الحياة حسب حلمهم و ليس حسب درجاتهم ، لان اهم ما في الحياة ان نحقق احلامنا مهما كانت....و اوجه حديثي الى القائمين على التعليم في فلسطين و الدول العربية بضرورة عدم الاعتماد الكامل على درجات امتحان الثانوية العامة في تقييم مستويات الطلبة ففي ذلك الظلم الكبير لكثيرين لم يحصلوا على درجة 99 و لكنهم قادرون على ان يكونوا اطباء و صيادلة و مهندسين عظماء....و اوجه حديثي الى الجميع بضرورة ان نكون ملهمين لغيرنا فحياتنا مهما صغرت تحتوي بعض الايجابيات و ان نكون مُلهمين من اشخاص ناجحين ممن حققوا الشيء العظيم في حياتهم....فهكذا فقط نستطيع نحن ايضا ان نحقق شيئا عظيما في حياتنا.