Tuesday, January 6, 2015

أسطر قليلة عن :ذكريات الطفولة

لا يستطيع الانسان التملص من فخ الذاكرة، من أنيابها التي تمتد عميقا في عقله و وجدانه خصوصا عندما نتكلم عن ذكرياتنا الاولى في هذه الحياة...تلك الذكريات التي يشوبها الغموض الذي يجعلنا نتسائل كثيرا إن انت حقيقية أم أنها من صنع الخيال. تبقى هذه الذكريات حاضرة في وجداننا رغم عدم اكتمالها، ربما رغبة منا في محاولة فك رموزها و معرفة أحداثها، أو قد يكون السبب هو حنيننا إلى ماضٍ نعرف تماما استحالة عودته بكافة تفاصيله و بكافة المشاعر الاصيلة التي أحسسنا بها في طفولتنا. الطفولة هي أهم ما يصنع حياتنا...أهم ما يحدد مصيرنا فيها لأن ما يتبقى منها هو مجموعة من المشاعر التي يُصعب تفسيرها نتيجة لصغر السن و عدم وضوح الذكريات و مع ذلك..تبقى هذه المشاعر معنا طوال العمر.

كثيرا ما تراودني هذه الذكرى التي لم أحدث بها أحدا من قبل، عن ذهابي مع الاهل إلى "البر" عندما كنا نعيش في الامارات، و البر لمن لا يعرفه هو كالبرية عندنا في فلسطين و لكن الفرق بكل بساطة أن البر ليس بجمال برية فلسطين...القليل جدا من الاشجار و الكثير من المساحات المستوية المليئة بالصخور و بعض الحشائش و التي لا يمكن زيارتها في أجواء الخليج الحارة، و إنما يزورها الناس في الشتاء عند اعتدال الجو للشواء و الحصول على بعض "الخبيزة" التي تنمو بعد سقوط الامطار. أتذكر هذه الزيارة بشكل شبه يومي رغم أنني لا أذكر أي موقف معين أو أي حوار مميز...أذكر فقط منظر الحشائش بين الرمال و أجده جميلا...ربما لأنها جميلة و ريانة في وسط هذا الجفاف و القحط...أتذكر والدتي و هي تبحث عن الخبيزة التي لا أحبها على الاطلاق و لكني الآن و بأمانة أجد نفسي في حنين دائم إلى ذكرى مبهمة و لا يوجد فيها ما يميزها..أجد نفسي راغبا في زيارة هذه المكان و التجول فيه في يوم مشمس متعدل الحرارة. أجده و للمفارقة جميلا رغم حبي للخضرة و كرهي للصحراء و لكنني كلما أردت أن أتخيل منظرا رائعا أو تجربة جميلة تجد هذه الذكرى طريقها الى مخيلتي.  قد تكون هذه الذكرى و غيرها من ذكرياتي الاولى في هذه الحياة مؤلمة نتيجة لاقتلاعي من المكان الذي تربيت فيه و ذهابي إلى مكان آخر للعيش دون فرصة للعودة مرة اخرى إلى الاماكن التي أبصرت فيها أول ما عرفت من الحياة...أتذكر كثيرا البيت الذي تربيت فيه في صغري عندما عشت في الامارات "انتقلنا فيما بعد الى بيت اخر و لكني أحن بالذات إلى بيتنا الاول الذي شهد طفولتي و بداية وعيي"..أتذكر الكثير و الكثير حول طفولتي و لا أجد سبيلا إلى تهدئة جروح الذاكرة و هجماتها على روحي المثقلة اصلا بهموم الحياة. قد تكون الجملة القادمة أهم ما في هذه التدوينة الشخصية : "لا تقتلعوا أولادكم من الجذور قبل الاوان ولا تربوا أولادكم في بيئة مؤقتة"...احرصوا على أن يعيشوا طفولتهم بسلام حتى يبلغوا من العمر ما يقويهم على السفر و تجربة الحياة و احرصوا أكثر على تربيتهم في وطنٍ يكون لهم نقطة انطلاق الى هذه الحياة و الاهم أنه سيكون لهم نقطة النهاية التي تحوي ذكريات الطفولة و الصبا ولا تربوهم في الغربة التي ليست بوطن و إنما هي مجرد محطة مؤقتة و بالرحيل عنها سيفقد أولادكم جزءا كبيرا من ذكرياتهم الاولى عن هذه الحياة.

No comments:

Post a Comment