Thursday, September 11, 2014

انحدار إنسانية البشر :التواصل نموذجا


الاتصالات غيرت كل شيء، غيرت مفاهيم كثيرة و أفكارا كثيرة حول حياتنا و عالمنا، أتاحت لنا التواصل الرخيص نسبيا مع أشخاص من شتى أنحاء الكرة الارضية و لعبت دورا كبيرا في ايصال حقيقة الاوضاع في مناطق شهدت نزاعات لم نكن لنسمع عنها لولاها. تغيرت حياتنا لدرجة أن كثيرا من كبار السن الذين يصعب اقناعهم بالتقنيات الجديدة وجدوا أنفسهم مضطرين للتماشي مع ألفاظ من مثل "فيس بوك" و "يو تيوب" و "تويتر" حتى يستطيعوا أن يعرفوا جوانب أخرى عن حياة عائلاتهم. لا أحد ينكر أهمية الاتصالات في حياتنا و لكني وجدت نفسي أفكر في الموضوع من زاوية أخرى خلال الفترة الماضية.

لم يعد الناس يلتقون كالسابق، لم يعد الناس يتكلمون كالسابق و لم يعد الناس يكتبون كالسابق و باختصار شديد فإن إنسانية البشر في انحدار و ترابطهم الفطري كمجتمع مهدد بالفناء و كذلك مستوى ثقافتهم و تقديرهم للثقافة بكافة أشكالها في حالة يرثى لها. كيف لا و الكثيرون يستغنون عن لقاء أو حتى سماع أصوات أحبائهم و أصدقائهم مُكتفين بعبارات مقتصبة يتم إرسالها عبر برامج المحادثة من مثل "فيس بوك ماسنجر" أو "واتس آب"، مما يعكس تغيرا في فطرة البشر الاجتماعية و التي كانت دائما مبنية على التواصل الحقيقي باستخدام الكلمات و لغة الجسد من حركات و سكنات و نظرات إلى آخره. ثم جاءت فكرة الرسائل التي مكنت الناس من التواصل عن بعد و التي كانت حجر الأساس لفكرة الاتصالات الحديثة فهي افترضت و لأول مرة عدم ضرورة تواجد شخصين يرغبان في التواصل في مكان واحد و إنما امكانية تحقيق هذا التواصل عن طريق التراسل و عن طريق الكتابة. و مع ذلك فقد كانت الكتابة تحديا لقدرات الانسان في التعبير عن حالته و أحاسيسه و أفكاره في شكل كلمات ينبغي أن تنقل كل هذا إلى قارئها مما أدى إلى تحسن مهارات الانسان الكتابية و اطلاق العنان لخياله فظهرت الآداب بشتى أنواعها، ظهرت رغبة في نقل هذه التجارب إلى القراء كرسائل مفتوحة لمن يرغب بقراءتها و بالرغم من أن الكتابة قللت ولو بشكل ضئيل من حتمية التواصل الحقيقي المباشر إلى أنها من جانب آخر قد ساعدت على تطور ثقافة البشر و بالتالي زادت من إنسانيتهم بشكل أو بأخر، يكفي أن تقرأ رسائل قديمة من أب لإبنه أو بين حبيبين لترى مدى اجتهادهم في التعبير عن أحوالهم و عواطفهم بلغة و تعابير جميلة أو لترى أوراق الورد المجففة و الصفحات المعطرة و أي أسلوب آخر يمكنه نقل مشاعرهم إلى قارئها. ترى في الرسائل عرضا للافكار في صورة كاملة غير مجزوءة أو مبتورة كما تواصلنا اليوم الذي يشكو بشكل أساسي من تشردم أفكاره كما سيظهر في سياق حديثنا.

جاء إختراع التلغراف "البرق" و من ثم الهاتف ليضع بدائل سريعة لعملية الاتصالات بين البشر و في هذه اللحظة بالذات بدأت العلاقة العكسية بين سرعة الاتصال و "نسبة التواصل البشري الحقيقي" فيه إن جاز التعبير، فقد كان اغراء الوسائل السريعة للاتصال عاليا لدرجة أن هجر الكثيرون أوراقهم و يراعهم و توفقوا عن الابداع الكامن في رسم عواطفهم و أفكارهم بالكلمات و الذي يحتاج للتأني إلى اغواء الحديث السريع دون الحاجة إلى كثير من التفكير مما رسم لنوع جديد من التواصل بين الناس و الذي يقوم على نقل الحقائق و الاحداث المجردة دون ذكر انطباعتها الداخلية في أنفسنا. ذلك ساعد على ازدهار مهنة الصحافة و تغطية الاخبار و لكنه أيضا عمل على اهمال الجانب الانساني في القصص مما ساعد على تحويل فكر الكثيرين شيئا شيئا إلى تقبل الاحداث دونما حاجة للتساءل عن أسبابها أو حتى إبداء المشاعر على تنوعها عند الاطلاع على أخبار العالم التي أضحت تنتقل سريعا و بوسائل متعددة مع مرور الوقت. و مع ذلك فإن التواصل الصوتي حافظ ولو على نزر يسير من إنسانية التواصل البشري، فصوت الانسان يكشف الكثير عن مشاعره و أحاسيسه و إن غابت لغة الاجساد و لكن الوضع الحالي و انتشار تطبيقات التراسل الفورية الكتابية جعلت اعتماد الاتصالات الصوتية في التواصل في انخفاض في مقابل ارتفاع ملحوظ لاستخدام برامج الدردشة التي تشجع على استخدام الاختصارات على إختلاف أشكالها و الصور و "ما قل و دل" في سبيل احداث التواصل، أصبح تواصل الكثيرين محكوما بظروف غريبة من مثل "توفر الانترنت اللاسلكي" أو "الاشتراك بخدمات الجيل الثالث" و ما يتبعها من ضوابط شرائح الخدمة التي تفرض الاقتصاد على المستخدم في استخدامه للخدمات و لا تتيح أمامه الفرصة لتجميع أفكاره و التأني فيها ليتم طرحها في شكل متكامل و معبر عن حقيقة مشاعر و ظروف الشخص الذي يقوم بكتابتها. كل هذا يؤثر على فكرة و مبدأ و معنى التواصل عند البشر الذي تشوه و أضحى أقل إنسانية مع غياب ضرورات اللقاء و التأمل و ترتيب الافكار و طرحها بشكل مبدع. أضحى الانسان أكثر ألية في التواصل، تحكم عقله الكثير من الاختصارات و الرموز التي تلغي عنده فكرة ايجاد أسلوبه الخاص في التواصل مع الاخرين، أضحى أقل تقديرا لفكرة التواصل مع الاخرين في الاساس في خضم الحياة التي يعيشها الكثيرون كالآلات غارقين في روتين أعمالهم و شهواتهم القاتل الذي يفرض عليهم تقديس المادة التي يرون فيها القوة في مقابل تحقير الافكار الانسانية باعتبارها تعمل على اضعاف الانسان و باختصار شديد أضحى الانسان أقل إنسانية و يبدو أن هذا النهج مستمر مع تقدم أساليب التواصل و تطور الحضارة في مقابل خفوت الانسانية على كافة الاصعدة و المستويات.

أسأل نفسي عن المستقبل، كيف سنتواصل فيه؟؟ هل سنصل إلى درجة تنعدم عندها كل دواعي اللقاء ليعيش كل منا في بوتقته الخاصة محاطا بأجهزة المستقبل التي سيطل منها الانسان على العالم؟؟؟ في الماضي كان دائرة الانسان الاجتماعية أضيق و لكنها كانت عامرة بالحب و الان نجد أن قوائم "أصدقائنا" مليئة و لكنها كالغثاء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، هل سيكون مستقبل الانسان بهذه الكآبة و هل سيكون الانسان "إنسانا" أم سيصبح هجينا مع الآلات التي يبدو أنها ستحكم أساليب حياتنا المستقبلية و إلى الابد.

في النصف الثاني من القرن العشرين إرتفعت هواجس "الذكاء الاصطناعي" و أن الانسان الالي "الروبوت" و الحاسوب سيصلون إلى درجة من الذكاء تفوق الانسان مما سيساعدهم على حكمه و السيطرة على القوة في كوكبنا، و مع مرور الزمن مرت هذه الافكار بمراحل من الخفوت و الانتعاش و لكني أُحس أنه لا توجد أي دواعي للحاسوب لأن يكون أذكى من البشر حتى يستطيع السيطرة على حياتهم فالانسان يقوم بهذه المهمة بنفسه عن طريق اعتماده أكثر و أكثر على الحضارة في معيشته و تغيير أسلوب حياته و مفاهيمها تبعا لتطور الحضارة، قد يبدو مصطلح "ذكاء الالات الاصطناعي" من المصطلحات الغير أكيدة و التي يدور حولها الكثير من الجدل لكن مصطلح "سذاجة الانسان" يكاد يكون حقيقة لا يختلف حولها الكثير من البشر ممن تبقى في وعيهم شيء من إنسانية تتمثل في تقديرهم للدين و القانون و الفن و الثقافة.



2 comments:

  1. يمكن لازم تشوف شي متل her
    رح يجاوب عكتير اسئلة . طرحتها عن مستقبل التواصل البشري .

    ReplyDelete
    Replies
    1. انا حضرتو و بصراحة الفيلم ما عجبني ابدا و لو انه ممكن للاسف مستقبنا بوصل لهاي الدرجة من البؤس

      Delete